منتديات دواوين الثقافية و الفنية منتديات تعنى بالأدب والثقافة والفن.
 

 

 الفصل الأول ــ كاملا ــ من رواية " حارس النسيان "

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حسن برما
عضو جديد
عضو جديد
حسن برما


المدينة : الدار البيضاء
عدد المساهمات : 11
معدل النشاط : 22
تاريخ التسجيل : 10/05/2012
الموقع : www.da-wawin.com

الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الأول ــ كاملا ــ من رواية " حارس النسيان "   الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " I_icon_minitimeالإثنين 14 مايو - 21:34

ــ 1 ــ


نفس الوجوه . . .
والمسخ يتملى مستغربا حياد التجاعيد. . .
و خطوات المارين تتباطأ ، تسرقها آلات الغيبوبة المألوفة ، و فوق العتبة ، أراني داخلا في بعضي ، أرقب جنين الوقت الراقد بظلام الرحم المقفل ، تأخذ الكلمات شكل ثعابين ترقص على إيقاع الرعب والفناء ، و أبصر ، تزداد شجرة البوح عريا ، و وجوه تمحو بعضها ، تجر خطاها في تماثل عجيب يطلع بالرأس .

والذين ابتدعوا نشيد القبر لا يدرون ، تمططت سنين العتبة ، و صرت فوق دربي أرسم أسماء الاندثار المشنوقة ، تتشابك الأوهام ، تتداخل الأوشام . . و هم يرون الذي يزحف ببطء الموتى و لا يرحلون .

فهل أضع رأسي في الحكاية و أمضي و بها وجوه منفوخة تقفز فوق حيطان" الطرشة " المتآكلة. . و إذا قلتها، من يضمن لي وقف النزيف؟ من يضمن؟ !!

أسألك و أعرف عدوانيتك في طرد السؤال ، و الشاهد . . أنا ، لم يبق لي إلا الحنين إلى ما كنت وما صرت وما لم أفعل ، أما أيامكم العاقر، فتلك غصة استفهامات تتناسل لرموز قديمة نبلعها رفقة خواء الحصار.

و الحاضر مشلول ساكن ، و دخان الحرقة يعمي الأعين ، يطارد شريط الذاكرة المقطوع ، يستل من سيولة الماضي الميت ما يعلق بجدران اللحظة المهترئــة ،
سواد أبيض كبياض العدم المحايد ، و سجائر منسية يخفي تبغها المغشوش مقامات
الخوف و الامتناع عن رؤية قعر الحفرة المترب .

فها عيني تراكم و لا تراني ، مات الأب ، و تزوجت الأم " للا خديجة " الرجل المعلول ، و في زمن قياسي ، صرنا سبعة أفواه داخل قفص ضيق طوله ثلاثة أمتار ، أي غرفة أصغر بكثير من مراحيض البنايات المعطرة ، و وجه النحس أنت لا تريد إلا مثل هذه البدايات اللعينة .

تخرج الأم في نهاية الظلام ، و في أوله تعود ، باليد اليمنى كيس بلاستيكي أسود ، و باليسرى مقابل الأتعاب ، خليط من بقيا خبز بائت و وجبات نادرة الظهور بسوق الكلب المغبر ، نتحلق حول المائدة الواطئة ، ننتظر ظهور محمولات الكيس الفاضلة ، تبتسم " للا خديجة " ، تنسى هموم اليوم المتناسخة ، و تدعو الرب ليهبها القدرة على تحمل شقاء الدور الخانزة حتى ترى أبناءها أقوياء في هذا الزمن الأعور، تشرع في إخراج المحمولات ، تلتقي العيون في النظر إلى تفاحة معطوبة أو كسرة خبز على صدرها الأعلى شقوق تفضح رائحة اللحم و ما يذبحون .

و إن شئت أن تذهب مع هدنة الاحتمالات الفورية ، ألقي بقولي . . إذا كنت ترغب في تضاريس شهرزاد الساحرة لاقتناص متعة غيبية تحلق فيها أرواح الجنيات الراغبات في سحر الفقهاء و ثعابينهم الطويلة ، و إذا كنت المريد لدليل محايد يسلك بك دروب متوالية وهمية تزعم تراتبية تقودك نحو وقائع لها عمر الضحكة الزائلة ، فذاك شأني ولي يقيني . . .

خذ المحاكمات و الهزائم و فضائح الزمن الطائش !!
هل تزعم المعرفة بنقطة البداية ؟
و ما البداية ؟! !

و تلك أسئلة الجحيم نوزعها فوق الرؤوس ، نستنكر ، تسأل نفسك عن سر تواجدنا فوق هذه الرقعة البيضاء ، و بدوري أسألك : ما جدوى الحكاية إذا كان تواطؤ الجميع على تفريغ الخواء من استنكاره المزعوم ، ما نفع الحكاية ؟ ! ! ! و أما المساحات الضيقة ، و الكوابيس المزروعة ، فتلك شباك وهم أستطيع أنصبها كلما اقتربت من هيكل الثوابت المنخور .


تنزل " فاطنة الزهوانية " ربة الدار ، بالوجه نخلة موشومة و اعتزاز بنعمة امتلاك خربة يقطنها سبعون خلقا و أكثر ، تصافح الرجل المعلول ، تخرج من قفصها تنهيدة طويلة ألفنا سماعها ، تقول :
*** ــ هاهي جات تسول على الكراء.

و الأصغر اللعين يعرف بؤس العلاقة بين الطرفين، و الكلام المنافق حول فقر الحال ، و غياب " للا خديجة " طول النهار ، و كأس الشاي المطبوخ تحت التهديد و التعذيب . . و ما بين الأطراف حبل استعباد بليد يجهل الحدود .

يغيب الخبز ، يحضر الجوع، و برد الشتاء، و ضباب الصباحات المتجهمة ، و لحظات الانتظار بين فكي الجوع و جلوس العاجز طالما العين الشاردة مفتوحة على ذوبان ساعات المثلث الحرام : حصير بلاستيكي يؤلم الأطراف ، جمود لا يعرف الزوال ، و نهار بلا ملامح . . و قول الأصغر اللعين يقين تدعمه قوة الألفة و سيادة العادة ، تحتج " الزهوانية " تتوعده بيديها المجعدتين ، تقول :
ــ و سر الله يمسخك !

تبتسم الأم ، تلمس بخنصرها الأيمن خشب المائدة الواطئة ، حركة بسيطة تكفي لحجب كل الفواجع و الأخطار ، و النفي سابق في الرجاء و الدعاء :
ــ لاواه ، برا على وليدي و الباس .

يشرع حوار الطرشان في احتلال الفضاء الضيق ، كلنا يحاور نفسه ، ينزعها من الداخل ، يراها أمام عينيه حشرة تسحقها أقدام الأيام ، وفي الواقع الشارد تتمدد فسحة ما لابتلاع غصات الغبن و الخواء و علائق فاترة في أجواء مكهربة مفروضة بالقوة و عنف الإقصاء .

وكل الحكاية وجود بالقوة ، غرفة ضيقة بالطابق الثاني ، حيطان وسخة فقدت طلاءها الرخيص ، و جيران كثر ، وجوه ثابتة و أخرى تختفي بصمتها على ما بها من عبث قاتل ، و حضور " الزهوانية " مضمون مع الجميع كما العالم قسمات ممسوخة و عيون شاردة تحرس رؤوس الصمت و الغربة . . تقول معقبة :
ــ برا عليه و الباس . . راه بحال بناتي .

تنتقل إلى الأسطوانة المشروخة ، كلام عن الدور الواسعة ، و الأشغال التي
ــ 13 ــ
تنتهي ، غلاء المعيشة و النار الحارقة ، نفي الأحلام و الأسعار الملغومة ، و أنا ؟!! بين هذا الخليط الغريب من الثوابت و احتمالات الباب المسدود ، أستحضر وقائع متناثرة توحد المصائر في هروب الحلم نحو حدود المنفى و الغيبة الجاهزة دوما في وجه من ولدتهم أمهاتهم بالقوة و الحزن و سوء التقدير .

و رغم ذلك ، أعيش وهم القفز فوق حواجز الخيبة و المرارة يعريني بياضي ، تغيب الوجوه عن عيني ، و إصرار الأم على الانتظار و استقبال المجهول بين جدران الغرفة المسوسة و رفع حالة الحصار . . .

و أحكي . . أدرك شقاء الأخ الأصغر و مطابقة كلماته لنوايا "الزهوانية"، أقف ، ينظر الزوج المعلول نظرة من هادن المرض و استسلم لسجن الصمت و النوم فوق سرير يشغل عرض البيت ، تمد " للا خديجة " تفاحة معطوبة لـ " زينب " و تسألني :
ــ يوسف. . فين غادي خارج ؟

تتلمس ركبتها اليمنى ، تخرج قطعة من الثوب الأبيض ، تفك عقدتها ، ترن نقود معدنية ، ترمي لي بقطعتين، تستحوذ " الزهوانية " على ليمونة مهملة، و تقول :
ــ اطلع عند البنات ، راهم كيتفرجو على المسلسل !

أوحي بقبول الدعوة ، العجوز اللعينة تخرف ، تنوب عن مقدم الدرب في جمع التفاصيل عن كل خطوة جديدة خطاها ساكنو الأنفاق المتلاصقة، و عند الحاجة ، ساعة كشف النوايا والسكنات تقيس آلام الخواء بميزان المسلسلات الفرعونية الرديئة ، و تقول لي : اطلع و تفرج ! !
اهبط الدرج ، بالأسفل باب خشبي متآكل لمرحاض جماعي يستقبل مرميات الطابق الأرضي ، أميل نحو الحائط الأيسر ، دولاب خشبي و أواني طبخ و غسيل منشور ، تنحني رأسي ، تتحاشى سروال جينز قديم ، تصفعني خيوط صدرية مبللة ، أمسح شعري ، كل الأمور مقبولة بفعل الدوام و العادة ، و الألفة مع الغرابة قاعدة صلبة يصعب تكسيرها ، هنا الولادة ، وهنا كتب العيش و خواء قبور سكن أجسادا منخورة و رمى بها في متاهات " الطرشة " الحبيبة ، و الأنفاس الحارقة تحوم فوق الرؤوس ، و صمت ثقيل يغطي صيحات طفل يرفع عقيرته ناهقا مستظهرا مقطعا من

كتاب التلاوة العربية ، وخصام الجيران ، هجوم العراك ، و لغط الجميع صدام يومي و في الأصل هو إرث موضوع .

لماذا ؟! لست أدري كيف أزيح هذه الفجوات الخبيثة عن حكايتي و أمنحك ثقوبا منها تطل على ظلام الآتي، و الدرج الأخير يقترب، و باب الحديد الصدئ مفتوح دون رقيب .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سعيد محمودي
المدير العام
المدير العام
سعيد محمودي


المدينة : الدار البيضاء
عدد المساهمات : 7236
معدل النشاط : 12091
تاريخ التسجيل : 08/12/2009
الموقع : www.da-wawin.com

الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول ــ كاملا ــ من رواية " حارس النسيان "   الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " I_icon_minitimeالأربعاء 16 مايو - 15:30

شكرا لك اخي العزيزالاستاذ حسن برما
لقد جعلتني اسيرا لروعة أسلوبك وحرفك
كلمات واسلوب عذب وبصياغة فريدة
تحياتي وتقديري

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن برما
عضو جديد
عضو جديد
حسن برما


المدينة : الدار البيضاء
عدد المساهمات : 11
معدل النشاط : 22
تاريخ التسجيل : 10/05/2012
الموقع : www.da-wawin.com

الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول ــ كاملا ــ من رواية " حارس النسيان "   الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " I_icon_minitimeالأربعاء 16 مايو - 20:22

كل التقدير والمحبة لصديقي و أخي الأستاذ الطيب الرائع سعيد محمودي ، كما أقول دائما الكلمة إبداع و موهبة و تقنيات و بناء و موقف / شهادة و مسؤولية و إمتاع .. و لا مكان للصدفة أو الاستهتار فيه .. مع تحياتي الصادقة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نعيمة القضيوي الإدريسي
مشرفة خلجات سردية
مشرفة خلجات سردية
نعيمة القضيوي الإدريسي


المدينة : الدارالبيضاء
عدد المساهمات : 347
معدل النشاط : 463
تاريخ التسجيل : 18/04/2011
الموقع : dawawin.forum.st

الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول ــ كاملا ــ من رواية " حارس النسيان "   الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " I_icon_minitimeالأحد 27 مايو - 23:53

مررت مرحبة،أهلا بك،لي عودة للرواية
تقديري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نعيمة القضيوي الإدريسي
مشرفة خلجات سردية
مشرفة خلجات سردية
نعيمة القضيوي الإدريسي


المدينة : الدارالبيضاء
عدد المساهمات : 347
معدل النشاط : 463
تاريخ التسجيل : 18/04/2011
الموقع : dawawin.forum.st

الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول ــ كاملا ــ من رواية " حارس النسيان "   الفصل الأول ــ كاملا ــ  من رواية " حارس النسيان " I_icon_minitimeالجمعة 8 يونيو - 15:52

ساتابع حرفك للنهاية ابدي رأي في الأخير
جميل ما قرأت في الفصل الأول
تقديري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفصل الأول ــ كاملا ــ من رواية " حارس النسيان "
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الرابع من رواية " حارس النسيان "
» حارس النسيان (رواية قيد الطبع ) ــ مقطع من الفصل الاول
» رواية وجوه لرجل منسي" الوجه/الفصل-2-
» رواية وجه لرجل منسي"الفصل/الوجه-2-" تتمة
» رواية وجوه لرجل منسي "الوجه/الفصل-3-" تعودت أن تجفف دمعي ...

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات دواوين الثقافية و الأدبية :: خلجات سردية (بإدارة مولاي علي درار) :: الرواية-
انتقل الى:  
أركان منتديات دواوين الثقافية و الأدبية