ركبت الباص عائدا للبيت بعد يوم شاق، شغل السائق جهاز الراديو، محاولة جيدة للإبتعاد عن النبش في الذاكرة، كانوا يديعون أغنية جميلة لجوليا بطرس، أعجبتني كلماتها : من لوث أرضي بدمائه قد رحل الآن،
وفر كذليل تائه كأي جبان
وأيقن أن ببقاءه، لن يسطع نجم في سمائه،
لن تأتي أبدا للقائه، إلا الأحزان ....
استطاعت هاته الكلمات أن تخدش روحي، وتأخذني معها لعالم من البطولة والمقاومة، والزمن الجميل الذي حكا لنا عنه كل رجل قديم، أي كل من عاش زمن الإستعمار وفرض للحماية، .. توقف الباص وتوقفت معه تلك الأحاسيس المفعمة بالأمل،.. دخلت غرفتي واستلقيت فوق الأرض، لكن لازالت تلك المعاني تتأرجح في داخلي، اتجهت نحو الحاسوب، دخلت القوقعة العجيبة، وبحثت عن وقت دخول الصهاينة بلد أول قبلة، ثم وجدت مقالا طرحوا فيه موضوع المجازر التي قام بها المحتل الإسرائيلي بمساعدة أمريكا، وغيرها من الأمور المرعبة بدعوى الإرهاب والتطرف، وضعوا في صفحات المقال صورا لم تكن بالحسبان، من بينها طفلة، ضحية الآلة الصهيونية، اقشعر جسدي بأكمله، راحت تلك الآمال والأحلام الوردية الزائفة، وحل مكانها الحزن والدموع، صور وصور ثم موسيقى تشجع أطفال الحجارة أربكت كياني بأكمله، درفت دموعا ساخنة كأنها تخرج من قلبي، أحسست لوهلة أنها دماء وليست دموع، هرعت وأغلقت الباب بإحكام، تعلم أمي أني مرهف الإحساس لكنها لا تعلم أني أبكي في صمت ...